الحماية القانونية للطفل
في ضوء قانون الطفل رقم لسنة
بحث مقدم من
اسامة محمد عثمان
تحت اشراف
أ د/محمد منصور حمزة
شكر وتقدير
انه لمن دواعي العرفان بالجميل أن أسجل عميق شكري وامتناني لأستاذ الدكتور محمد منصور حمز رئيس قسم الشريعة الاسلامية كلية حقوق بنها الذي تشرفت بقبوله الأشراف على إعداد بحثي هذا. وقد أسدى في سبيل ذلك عونا كبيرا وإرشادا سديدا ساعداني على أنجاز هذا البحث.وفقه الله لما هو خير وجزاه اجل الثواب.
أسامة محمد عثمان
المقدمة
الطفل هو المولود ما دام ناعما رخصا، ويبقى هذا الاسم له حتى يميز (1). أما في الاصطلاح الشرعي فالطفل هو من لا يفقه ولا يفهم لصغر سنة بدليل قوله تعالى (( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء)) (2) يعني لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن(3).
وهو من جهة أخرى من يعتمد في عيشه على من يرعاه والا هلك لقوله تعالى ((ثم نخرجهم طفلا)) (4) أي ضعيفا في بدنه وحواسه وعقله. ثم يعطيه الله القوة شيئا فشيئا. ويلطف به ويحنن عليه والديه أناء الليل وأطراف النهار. لقوله تعالى (( ثم لتبلغوا أشدكم))(5) أي تتكامل القوى وتتزايد, ويصل عنفوان الشباب وحسن النظر (6) مما يستدل عليه من قوله تعالى (( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير )) (7).
أما مفهوم الطفل في القانون, فهو إنسان كامل الخلق والتكوين يملك القدرات العقلية والروحية والعاطفية والبدنية والحسية وهي قدرات لا ينقصها سوى النضج والتفاعل بالسلوك البشري في المجتمع لينشطها ويدفعها للعمل فينمو الاتجاه السلوكي الإداري لدى الطفل داخل المجتمع الذي يعيش فيه (.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)المعجم الوسيط-ج1- إبراهيم مصطفى, احمد حسن الزيات, حامد عبد القادر محمد على النجار-مطبعة مصر-1381هـ-1961م- ص566 ومرتضى الزبيدي – تاج العروس من جواهر القاموس – منشورات دار مكتبة الحياة بيروت ص 417.
(2)سورة النور- رقم الآية 31.
(3) تفسير ابن كثير ج4- للإمام الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي- دار الأندلس للطباعة والنشر – بيروت – ط1- ص 615, 616 ينظر أيضا زبدة التفسير من فتح القدير – محمد سليمان عبد الله الأشقر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية – الكويت ط1-1406هـ 1985م- ص462.
(4)سورة الحج-رقم الآية
(5)سورة الحج- رقم الآية (5)
(6)تفسير ابن كثير – نفس المصدر – ج5- ص92.
(7)سورة الروم- رقم الآية 54.
(حسن نصار- تشريعات حماية الطفولة – منشاة المعارف- الإسكندرية- ص 18.
وإذا كانت الطفولة هي نبت الحياة, فقد غدا حق الطفل في هذه الحياة حق أصيل تتفرع عنه حقوق أخرى وهذه الحقوق تحمي الطفل وتحيطه بالأمان لحين وصوله السن التي تجعله مؤهلا بدنيا وروحيا وعقلا ليتولى زمام أمره ويعرف واجباته ويقوم بدور فاعل في المجتمع.
وحقوق الطفل تتكاثر كلما تتابعت سنوات عمره وتتنوع بتنوع علاقاته, بأمه, وأبيه وبأسرته عموما أو بالناس الآخرين ثم علاقته بمجتمعه.
وبتنوع حقوق الطفل تتنوع وسائل الحماية تبعا لذلك وتتقرر حقوقه ولو كان لقيطا إذ تكون علاقته عندئذ بالدولة مباشرة, فهي تحمي وجوده وإنسانيته وحقه في الانتساب إلى وطنه(1)
وقد نال الطفل صورا متفاوتة من الحماية في ظل التشريعات قديمها وحديثها, فبرجوع إلى القوانين العراقية القديمة والتي أهمها قانون حمورابي نجد انه قد ضمن جانبا من جوانب حماية الطفولة ومنها ما يتعلق بالتبني, فقد نصت المادة (191) منه ((إذا تبنى رجلا طفلا ورباه وبنى له بيتا, وحصل (المتبني ) بعد ذلك على أولاد. (ومن ثم ) قرر ( الرجل ) التخلي عن ابنه المتبني فلا يذهب ذلك الابن (حاليا), فعلى الوالد الذي رباه أن يعطيه ثلث ميراثه من أمواله ويذهب, ولا
يعطيه أية (حصة) من الحقل أو البستان أو البيت )). ونصت المادة (193) منه (( إذا وجد (اكتشف)ابن تابع القصر أو ابن حريم القصر (المتبني ) بيت أبيه ( الأصلي ), وكره الوالد الذي رباه (تبناه) والأم التي ربته (تبنته) وذهب إلى بيت أبـيه ( الأصلي ), فعليهم أن يقلعوا عنه )) (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)نفس المصدر السابق-ص10.
(2) الدكتور فوزي رشيد – الشرائع العراقية القديمة- دار الحرية للطباعة – مطبعة الجمهورية- بغداد-1973-ص125, ص126.
ويلاحظ على قانون حمورابي شانه في ذلك شان القوانين القديمة الأخرى عدم أيراد نصوص خاصة بالأطفال تحدد مسؤولياتهم الجزائية عن أفعالهم, الأمر الذي يدل على إقرار مساءلتهم على نحو ما يسأل به البالغون. وذلك لان المسؤولية الجزائية في تلك الحقبة الزمنية كانت تسمى بالمسؤولية المادية إذا لم يكن العقل البشري حينذاك قد توصل إلى إدراك الرابطة النفسية بين الحدث الجرمي ونفسية فاعله وهو ما يطلق عليه بالبنية الآثمة أو الركن المعنوي. لذلك كان الأطفال والمجانين يسألون عما يقع منهم من أفعال ونتائج(1)
إلا إن الطفل قد نال قدرا كبيرا من الحماية في ظل الشريعة الإسلامية, ولا نستطيع أن نتصور مدى فضل الشريعة الإسلامية من حيث حمايتها للصغير إلا إذا عرفنا وضعه في ظل القوانين القديمة التي كانت تسبق أو تعاصر الشريعة الإسلامية عند نزولها واهم هذه القوانين, القانون الروماني الذي هو أساس القوانين الأوربية الحديثة (2)
فإذا عرف القانون الروماني نظام التبني الذي يتضمن بقاء الطفل المتبني محتفضاً بحقه في الإرث من أسرته الأصلية, ومنح البنوة الشرعية للابن الطبيعي(3), فان القانون الروماني الذي يعتبر ارقي القوانين الوضعية في حينه لم يميز بين مسؤولية الصغار والكبار إلا بقدر محدود, فكان يرى الطفل الذي زاد سنه على السابعة مسؤولاً جزائياً عن عمله, وشتان بين هذا الحكم وبين حكم الصغير في الشريعة الإسلامية (4).لذلك يمكن القول بان الشريعة الإسلامية أول شريعة في العالم ميزت بين الصغار والكبار من حيث المسؤولية الجزائية تمييزا كاملا, فهي أول من وضع قواعد خاصة في مسؤولية الصغار ما زالت تعتبر الأوفق منذ أربعة عشر قرنا حتى العصر الحاضر وستبقى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)د.ضاري خليل محمود-اثر العاهة العقلية في المسؤولية الجنائية- منشورات وزارة العدل-دار القادسية للطباعة- بغداد-1982-ص27.
(2)عبد القادر عودة- التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي- مكتبة دار العروبة – مصر -1959-ج1- ط1- ص600.
(3)د.صبيح مسكوني-القانون الروماني- مطبعة شفيق- بغداد-1968-ط1ص93
(4)عبد القادر عودة- نفس المصدر- ص599.
وبالنسبة للقوانين الوضعية بعد الثورة الصناعية في أوربا فقد كانت الطفولة تفتقر إلى الحماية الضرورية.فكان الأطفال يعملون ساعات طويلة وفي أماكن غير صحية ويعانون من سوء التغذية ,كما كانوا يتعرضون إلى أقسى العقوبات شانهم في ذلك شان الكبار دون الأخذ بنظر الاعتبار صغر سنهم وما يتبعه من ضعف الجسم والملكات الذهنية(1).وآية ذلك, ان التشريعات القديمة كانت تقيم أساس المسؤولية الجزائية على النتيجة الضارة التي تحدث دون الاهتمام بالفاعل من حيث شخصيته أو عمره أو ظروفه.
على ان التشريعات حينما تحمي الطفل فأنها لا تصون مستقبله وتعزز ديمومة حياته فقط وإنما تعزز ديمومة المجتمع وتطوره باعتبار ان الطفل اليوم رجل المستقبل من هنا كان هم التشريعات المعاصرة على الصعيدين الداخلي والدولي توفير جميع أشكال الحماية للطفل ضمانا لمستقبل أفضل له.
ويتضح ذلك من خلال المبادئ التي جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 ومنها ان يولد جميع الناس أحرارا متساويين في الكرامة والحقوق وان لكل فرد الحق في الحياة والحرية والسلامة الشخصية, وانه لا يجوز استرقاق أو استبعاد أي شخص وتحظر تجارة الرقيق بكافة أوضاعها (2).
وكذلك الاعتراف بالشخصية القانونية لكل شخص وان يتمتع بجنسية ما, وهذه الجنسية هي التي تحدد شخصيته في مجال العلاقة الدولية (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سعد بسيسو –محاكم الإحداث والمدارس الإصلاحية – مطبعة التفيض- بغداد 1949- ص2, ص3.
(2) عبد المجيد إسماعيل حقي والسيدة زاهدة احمد سعد الله – حقوق الطفل في التشريعات الدولية- مجلة العدالة – العدد الرابع – السنة الخامسة- 1979-ص 117.
كان للإسلام سبق الفضل في اعتماد هذا المبدأ منذ أكثر من أربعة عشر قرنا حيث ورد المبدأ بصريح لفظه على لسان الخليفة عمر بن الخطاب (رض) في قوله الشهير ( متى استعبدتم وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).
(3) المصدر السابق نفس الصفحة.
كما إن الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 أكدت على إن لكل طفل الحق في الحماية التي يستوجبها على أسرته وعلى المجتمع وعلى الدولة دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الديانة أو الأصل القومي أو الاجتماعي, كما أكدت على أن يكون لكل طفل فور ولادته اسم وتكون له جنسية.
وأكدت الاتفاقية المذكورة أيضا على ان لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة ويحمي القانون هذا الحق ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي, كما حرمت الاسترقاق والاتجار بالرقيق بكافة أشكاله, ونصت على ان لكل فرد الحق في الحرية والسلامة الشخصية.
أما إعلان حقوق الطفل الصادر سنة 1959 فقد جاء بمبادئ تضمنت حماية واسعة للطفل وذلك بان يكون له التمتع منذ ولاته باسم وجنسية.وكذلك حمايته قبل وبعد مولده بان تمنح الرعاية والحماية له ولامه قبل وبعد ولاته وان يكون له الحق في التغذية الكافية والمأوى والعناية الطبية, وأوجبت ان يكون للطفل المقام الأول في الحصول على الوقاية والإغاثة عند الكوارث ويجب ضمان وقايته من أنواع الإهمال والقسوة والاستغلال والاتجار به.كما أكد الإعلان المذكور أيضا على حق الطفل في التعليم الإلزامي المجاني على الأقل في المرحلة الابتدائية وان لا يسمح للطفل بأي حال من الأحوال ان يتولى حرفة أو عملاً يعرقل تعليمه.
وهذا الحق أيضا كان قد أكد عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948 في وجوب ان يكون التعليم في مرحلته الأولى والأساسية إلزاميا وبالمجان (1) ولما كانت الطفولة ثروة بشرية فان المجتمع الدولي من اجل حمايتها قام من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1946 بإنشاء منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة ( اليونيسيف) (2).
ولعل من نافلة القول أن نشير إلى ان التشريع العراقي قد اعتمد هذه المبادئ الدولية التي تحمي الطفولة في تشريعاته التربوية كقانون التعليم الإلزامي(3) والتشريعات ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية كقانون الرعاية الاجتماعية وقانون رعاية القاصرين وقانون العمل(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق- الصفحات 1170 وما بعدها
(2) نفس المصدر السابق –ص 1175
(3) قضت المادة الأولى من قانون التعليم الإلزامي رقم 118 لسنة 1976 بمجانية وإلزامية التعليم لمن أكمل السادسة من العمر.
(4) يستنتج من أحكام المواد 91 و 96 من قانون العمل رقم 71 لسنة 1987, عدم تشغيل من لم يبلغ الخامسة عشر من العمر في أي نوع من أنواع العمل سوى العمل في الوسط العائلي تحت إدارة وأشراف الأب أو الأم أو الأخ.
كما ان جمهورية العراق قد صادقت بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 646 الصادر في 4/8/1986 على ميثاق حقوق الطفل العربي والذي أصبح يدعى بـ (قانون ميثاق حقوق الطفل العربي رقم 72 لسنة 1986 ) والذي ضمن حقوق الطفل العربي بشكل متكامل منذ ولادته وقبلها حتى بلوغه الخامسة عشرة من العمر وقد حرص هذا القانون على تامين رعاية وحماية شاملة وكاملة لكل طفل عربي(1).
بالنظر لما استأثرت به الطفولة ورعايتها من اهتمام دولي واسع, الأمر الذي تمخض عنه اعتبار عام 1979 سنة دولية حيث استحوذ اهتماما كبيرا من لدن الحكومة العراقية فعقدت العديد من الحلقات والندوات الدراسية فضلا عن سنها العديد من التشريعات التي تؤكد حماية الطفولة وإنمائها(2).
والنظر للأهمية والاهتمام الكبير والمتزايد بحقوق الطفل فقد اخترته موضوعا لهذا البحث لما له من علاقة وثيقة بالعمل القانوني والقضائي على الرغم مما يعتمل هذا البحث من صعوبات جلها تتعلق بسعة نطاقه وعمق وتنوع مضامينه.
هذا وسنتولى دراسة بحثنا في قسمين نخصص القسم الأول لدراسة الحماية الحقوقية للطفل مبينين مظاهرها في الشريعة الإسلامية والقانون, فيما نخصص القسم الثاني لدراسة الحماية الجزائية للطفل مبينين مظاهرها في الشريعة والقانون أيضا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قانون ميثاق حقوق الطفل العربي- منشورات وزارة الثقافة والأعلام-دار ثقافة الأطفال رقم الإيداع في المكتبة الوطنية ببغداد 1240 لسنة 1986
(2) قرار مجلس قيادة الثورة القاضي بمنح الأم الموظفة إجازة أمومة أمدها ستة اشهر بنصف راتب من اجل رعاية الطفل.
قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 881 في 29/11/1987, الذي منح مخصصات عائلية للطفل الرابع مقدارها 25 دينارا إلى حين بلوغه السنة الثالثة من العمر ويتجدد هذا الحق عند كل مولود بعد المولود الرابع.
قرار مجلس الثورة المرقم 882 في 29/11/1987 الذي تضمن منح الأم الموظفة إجازة أمومة لمدة سنة, ستة اشهر منها براتب تام وستة اشهر بنصف راتب حيث تبقى الأم بجانب طفلها لمدة سنة كاملة. ان هذين القرارين وان كان سبب صدورهما الحملة الوطنية لتشجيع الإنجاب الا أنهما بلا شك يتضمنان حماية وسعة للطفولة.
القسم الأول
الحماية والحقوقية للطفل
لقد شملت الشريعة الإسلامية بحمايتها ورعايتها الإنسان منذ ادوار حياته الأولى بحماية خاصة, فصانت آدميته وحياته(1). بل تولت حمايته وهو جنين بان أثبتت له الميراث وأجازت له الوصية وألحقت نسبه بابيه ولم توجب عليه الالتزامات لثبوت أهليه الوجوب الناقصة له وانعدام أهلية الأداء لديه(2). وان القوانين الوضعية حاولت حماية الطفولة ورعايتها أيضا, فقررت بان حقوق الطفل تنشا معه منذ خلقه جنينا حيث يتدخل القانون لينشئ علاقة فرضية بالحياة فيضفي عليه حمايته إلى حين ولادته.وحقوق الطفل, حقوق لا يجوز التنازل عنها, فهو ليس أهلا للنزول عن أي حقل له كما لا يجوز ان ينسب إليها أي تفريط في حق من حقوقه.ذلك لأنه لا يدرك معنى النزول عن الحق أو التفريط فيه. حيث تظل حقوقه تحت ولاية وليه أو وصاية وصية وفي حماية الدولة, فضلا عن انه لا يجوز لهذا الولي أو الوصي ان يتنازل عن حق من حقوق الطفل (3). وقد توزعت قواعد الحماية الحقوقية للطفل بين التشريعات المختلفة حسب الطبيعة القانونية لكل منهما فالحقوق التي تتعلق بشخص الطفل ونموه ورضاعته وحضانته ومعاشه وظروف ارتباطه أسرته, تكفلت بحمايتها قوانين الأحوال الشخصية, أما ما يتعلق بأموره المدنية فقد وردت في التشريعات المدنية. على ان توزع قواعد الحماية الحقوقية للطفل في العديد من التشريعات لا يعني وجود حواجز جامدة بينها, إنما كل منها يكمل الأخر وتشترك جميعا في حماية حقوق الطفل, حتى تصل الغاية النهائية وهي حماية جيل كامل من الأطفال ليأخذ دوره بعد بلوغه في قيادة مستقبل المجتمع , لذلك فقد قيل ان أطفال اليوم هم رجال المستقبل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لقد اهتم الإسلام بأمر الطفل حتى قبل أن يتزوج أبوه وأمه وذلك في حسن اختيار ألام والأب على حد سواء ومن ذلك قول الرسول (ص) للرجل (تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) عن البخاري ومسلم أشار إليه الدكتور محمود الحاج قاسم محمد – تاريخ طب الأطفال عند العرب – منشورات وزارة الثقافة والفنون الجمهورية العراقية – 978-ص 25 وقول الرسول (ص) للفتاة وذويها (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه الا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد عريض ) عن الترمذي أشار له الدكتور محمد قاسم محمد – المصدر السابق- ص25.
(2) الدكتور يعقوب عبد الوهاب – موقف الشريعة الإسلامية من الطفل – مجلة العدالة تصدرها وزارة العدل – بغداد – العدد الثاني – السنة الخامسة – 1979 ص 656و657
(3) حسني نصار – نفس المصدر – ص 28.
والواضح ان توزع النصوص الخاصة بحماية الطفولة حسب نوعيتها وانتمائها هو أمر طبيعي ولا يشترط جمعها في قانون واحد.
وإنما يتطلب الأمر إزالة التناقض الحاصل بينها ان وجد, ومن ثم التنسيق بينها والعمل على اعتماد نظريات وطرق تفسير خاصة بها تنسجم ومعالجة مشاكل الطفولة وحمايتها ليكون تطبيقها بأسلوب اجتماعي متطور يراعي ظروف البيئة التي نشا فيها الطفل, كما يراعى حداثة الطفل باعتباره شخصا موضوعا على نحو دائم تحت الحماية القانونية.
وبغية إيضاح الحماية الحقوقية للطفل سنتولى بحث مظاهر الحماية الحقوقية للطفل في الشريعة الإسلامية في الفصل الأول ثم مظاهر الحماية الحقوقية للطفل في القانون في الفصل الثاني.
الفصل الأول
مظاهر الحماية الحقوقية للطفل في الشريعة الإسلامية
ان الحكمة في تشريع الزواج هي التوالد والتناسل للمحافظة على النوع الإنساني, هذا من جهة ومن جهة أخرى تكوين وحدة اجتماعية تسمى العائلة, تتألف من الزوج والزوجة والاولاد, ثمرة الحياة الزوجية.
وقد شرع الله تعالى أحكاما لرعاية الأطفال منذ ولادتهم, منها ما يتعلق بثبوت نسبهم من الزوجين لان في عدم ثبوته ضياعا لهم و ثبوت حق الرضاعة لتغذيتهم في أول فترات حياتهم.لضمان صحتهم ونموهم.وثبوت حق الحضانة لأنهم في حاجة إلى من يرعى شؤونهم من مأكل ومشرب وملبس وغير ذلك. كذلك فهم لا يستطيعون تدبير شؤون أنفسهم ورعاية ما قد يكون لهم من أموال فينصب عليهم من يقوم برعاية شؤونهم من تعليم وتأديب ومن يقوم برعاية أموالهم والمحافظة عليها والعمل على إنمائها. وهذان نوعا الولاية على النفس وعلى المال. كما أنهم في اغلب الأحيان ليس لديهم في حال صغرهم مالا ينفق منه عليهم ولا يستطيعون تحصيل رزقهم بأنهم فيثبت لهم حق النفقة على والديهم.وسنتناول بالبحث حقوق الطفل الشرعية المذكورة.
المبحث الأول- النسب
النسب قرابة ناشئة من صلة الدم بالتناسل (1) أو هو اتصال شخص بغيره لانتماء احدهما في الولادة إلى الآخر أو لانتمائها إلى ثالث على الوجه الشرعي(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عمر فروخ – الأسرة في الشرع الإسلامي – ص98 أشار إليه علي عبد الرزاق- أحكام الصغير في الشريعة الإسلامية والقانون – رسالة ماجستير قدمت إلى جامعة بغداد كلية الآداب – آب 1970 – ص 9.
(2) مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاقة للعاملي - مطبعة الشورى مصر – 1326 هـ أشار إليه علي عبد الرزاق – المصدر السابق – ص9
ولان النسب رابطة سامية و وصلة عظيمة على جانب كبير من الخطورة, فان الشارع الحكيم لم يدعها نهبا للعواطف والأهواء, تهبها لمن تشاء وتمنعها عمن تشاء بل تولاه بتشريعه. لذلك صانت الشريعة الإسلامية الأنساب من الضياع والتزييف وجعلت ثبوت النسب حقا للطفل يدفع به عن نفسه الضياع والتزييف وجعلت ثبوت النسب حقا للطفل يدفع به عن نفسه الضياع والعار (1).
ويكتسب به ما يستحق من الحقوق كالميراث.ويعد حق النسب حقا اصليا تأتي بعده الحقوق الشرعية الأخرى, بصورة تلقائية, فله الحق في ان يحمل اسم أبيه ويرث ماله وعلى الأب واجب رعايته ونفقته. وكذلك يرتب ثبوت نسب الأولاد للأبوين حقوقا مختلفة للولد على أبويه و اقاربهما وفي المقابل لأبويه واقاربهما عليه كحرمة المصاهرة وحق النفقة إذا توافرت شروطها (2).
ويثبت نسب الطفل بأحد الأسباب الآتية:
السبب الأول – الفراش
الفراش عند الأحناف مجرد عقد الزواج, فالعقد وحده يكفي لإثبات النسب من غير اشتراط أمكان الدخول, فمن ولدت طفلها لأقل مدة الحمل وهي ستة اشهر من حين العقد ثبت نسبه من زوجها دون الحاجة إلى بينة منها أو أقرار منه. ويسري هذا الحكم حتى وان لم يلتقيا, كان يكون هو في أقصى المشرق وتكون هي في أقصى المغرب, أو يكون قد طلقها عقب مجلس العقد. وأساس هذا الرأي التمسك بحديث الرسول (ص) (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فالولد لصاحب الفراش وهو الزوج, ويراد هنا بالعاهر الزاني ومعنى ان له الحجر أي الرجم بالحجر عقوبة على جريمته, وله الخيبة والخسران ولا نسب له. فيدل هذا على ان المعتبر هو العقد الذي هو مضنة الوط (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) زكريا البرى- أحكام الأساسية للأسرة الإسلامية في الفقه والقانون- معهد الدراسات الإسلامية بالزمالك – دار الاتحاد العربي للطباعة – ص 186
(2) محسن ناجي المحامي – شرح قانون الأحوال الشخصية – ط1 مطبعة الرابطة – بغداد – 1962- ص 366.
(3) الشيخ حسن خالد ,عدنان نجا – أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية دار الفكر – بيروت – ط2-1972-ص241و242.
اما المالكية والشافعية والحنابلة, فإنهم يرون العقد الصحيح هو السبب في ثبوت النسب, بشرط أمكان الدخول (1). وهذا ما ذهب إليه الجعفرية أيضا(2).
وقد اخذ المشرع العراقي في المادة 51/2 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل برأي جمهور الفقهاء في اشتراط أمكان الدخول بعد العقد لثبوت النسب, وهو ما نؤ يده لاتفاقه مع مقتضيات الواقع وقربه من الحقيقة.
وتجدر الإشارة إلى انه يلحق بالفراش الصحيح الدخول بالمرأة في عقد الزواج فاسد ووطؤها بشبهه, كان تزف للرجل امرأة على أنها زوجته, وهي ليست زوجته حقيقة أو ان يخالط الرجل المرأة التي طلقها بلفظ ليس من ألفاظ الطلاق الصريحة (3) ويتضح من خلال ما تقدم مدى الحماية التي أسبغتها الشريعة الإسلامية للطفل بصورة واضحة وجلية بإثبات نسبه في بعض الحالات بالرغم من عدم تحقق الزواج الصحيح.
هذا وقد أحاط الشارع الكريم ثبوت النسب بالفراش بعدد من الشروط لابد من توافرها وهي:
أولا: ان يكون حمل الزوجة من زوجها ممكنا و فلا يثبت نسب الولد من زوج صغير السن ليس قادرا على الجماع الجنسي وهذا متفق عليه بين الفقهاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق – ص 242
(2) محمد حسين الذهبي – الاحوال الشخصية بين مذهب أهل السنة ومذهب الجعفرية شركة الطبع والنشر الاهلية – 1958 ب بغداد – ط 1 ص 333.
(3) زكريا البرى – نفس المصدر – ص 187
ثانيا- أن تأتي الزوجة بالطفل لستة اشهر في الأقل من تاريخ العقد, حيث اتفقت كلمة الفقهاء على ان اقل مدة ينزل الجنين بعدها من بطن أمه متميز الأعضاء حيا ستة اشهر, وحجتهم في ذلك قوله تعالى في سورة الإحقاف /الآية 15 (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها, ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)وقوله تعالى في سورة لقمان / الآيـة 14 ( ووصينا الإنسان بوالديه, حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين ).فإذا طرحنا مدة الفصال التي هي عامان من مدة الحمل والفصال التي هي ثلاثون شهرا بقي ستة اشهر وهي اقل مدة الحمل (1).
ثالثا – وعلى ما رأينا في الآيتين الكريمتين التين سبقت الإشارة اليهما أنهما أوردتا اقل مدة الحما فانه لم يرد شيء في القرآن الكريم ولا سنة رسوله (ص) ما يشير إلى أقصى مدة الحمل. الأمر الذي جعل أراء الفقهاء تتضارب وتتصارع, وتختلف اختلافا كثيرا فمنهم من يرى ان أقصى مدة الحمل سنتان وهم الحنفية ويسدلون على ذلك بقول عائشة (رض) 0 ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عمود المغزل)
ومن الفقهاء من يرى ان أقصى مدة الحمل أربع سنوات وهم الشافعي ومالك واحمد (رضي الله عنهم) وحجتهم على ذلك ما روى من ان رجلا قال لمالك بن انس أني حدثت عن عائشة (رض) أنها قالت لا تزيد المرأة في حملها على سنتين.فقال (سبحان الله من يقول هذا هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان, امرأة صدق, وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة تحمل بطن أربع سنين)كما حددها الظاهرية بتسعة اشهر (2) وحددها فقهاء الشيعة بتسعة اشهر على الأغلب ويمكن ان تصل إلى سنة (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محمد زيد الابياني – شرح الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية – مكتبة النهضة بيروت – ج2-ص3
(2) الشيخ حسن خالد, عدنان نجا – نفس المصدر – ص246
(3) محمد مصطفى شلبي – أحكام الأسرة في الإسلام – دراسة مقارنة بين فقه المذاهب السنية والمذهب الجعفري والقانون – الدار الجامعية – ط 4 – بيروت 1983 – ص 698.
رابعا – ان لا ينفي الزوج النسب, فإذا نفاه انتفى نسبه منه, بعد ان يلاعن زوجته اللعان الشرعي(1), الذي قررته الآية القرآنية ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الا أنفسهم فشهادة احدهم أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين. والخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين, ويدرأ عنها العذاب ان تشهد أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين, والخامسة ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين (2) ويتم اللعان بين الزوج وزوجته أمام القاضي.
ولكن هناك حالات لا ينتفي فيها النسب ولو مع ثبوت اللعان وهي:-
1- لا ينتفي نسب الطفل ولو مع اللعان الذي تم التفريق بناء عليه بعد ان سبق للزوج ان علم بالمولود في أوقات مخصوصة وهي وقت الولادة أو وقت شراء لوازمها أو وقت علمه بان زوجته ولدت ان كان غائبا ولم ينفه في حينه.
2- إذا نفى الرجل النسب بعد الإقرار به صراحة أو دلالة, فلا يصح هذا النفي لأنه سبق وان اعترف بالنسب.
3- إذا ولد الطفل ميتا أو مات أثناء اللعان قبل التفريق بينهما, والسبب في ذلك ان النفي حكم والميت لا يصح الحكم عليه.
4- إذا نفي الرجل نسب الطفل ثم مات الزوج أو الزوجة قبل اللعان أو بعده وقبل الحكم بالتفريق لا يتم نفي النسب(3).
ونرى من خلال ما تقدم ما يتمتع به الطفل من حماية ورعاية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية.
السبب الثاني – الإقرار
الإقرار بالنسب نوعان هما:
1- أقرارا ليس فيه تحميل النسب على الغير.
2- أقرار فيه تحميل النسب على الغير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) زكريا البري- نفس المصدر – ص191 وانظر أيضا محمد مصطفى شلبي – نفس المصدر – ص 617
(2) سورة النور- الآيات من 6 – 9
(3) محمد زيد الابياني – نفس المصدر – ص 5, 6, 8
وبالنسبة للأول يكون بالإقرار بالبنوة المباشرة أو الأبوة المباشرة, وذلك بان يقر الرجل ان هذا الولد ابنه, أو يقر الولد بان هذا الرجل أبوه. وفي هاتين الحالتين لا يشترط ان يثبت الغير هذا النسب لان المقر هنا يكون قد حمل النسب على نفسه.
وأما النوع الثاني, ان يقر بان فلان ابن ابنه, وفي هذا النوع من الإقرار تحميل النسب على غير المقر, فيجب ان يثبت في هذا المثال نسب المقر له إلى ابن المقر أولا, وهذا هو تحميل النسب على الغير.والنوع الأول من الإقرار بالنسب هو الإقرار بالبنوة المباشرة أو الأبوة المباشرة.أما النوع الثاني من الإقرار فهو الإقرار غير المباشر(1).ويشترط لصحة الإقرار:-
1- ان يولد مثل المقر له بالنسب من مثل المقر, وإذا لم يكن كذلك فلا يثبت النسب بالإقرار لان هذا الإقرار يكون كاذبا مثاله ان يكون المقر بعمر يصدق معه ان يكون أبا للمقر له.
2- ان لا يكون المقر له ثابت النسب من غير المقر, وذلك لأنه لا يتصور ثبوت نسب الولد من اثنين في وقت واحد.
3- الا يذكر المقر بان هذا الولد من الزنى, والمعروف ان الزنا لا يصلح سببا للنسب إسنادا للحديث الشريف (الولد للفراش وللعاهر الحجر).
4- ان يصدق المقر له بالبنوة على الإقرار ان كان مميزا(2).
وتجدر الإشارة إلى بيان الفرق بين الإقرار بالبنوة والتبني... فالإقرار ... اعتراف شخص ما بنسب حقيقي لشخص مجهول النسب وانه قد خلق من مائة, اما التبني فهو إلحاق شخص معرف النسب أو مجهول النسب ونسبته إلى نفسه(3).
وإذا كان العرب قبل الإسلام يدعون أبناء غير أبنائهم, وينسبونهم أليهم, ويجرون عليهم أحكام الأبناء الصلبيين, من تحريم زواج وغيره, فان الإسلام أبطل تلك العادة, وألغى ما كانوا يرتبون عليها من أحكام, لقوله تعالى في محكم كتابه(وما جعل أدعياء كم أبناءكم لكم قولهم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل)(4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد العزيز عامر – الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية فقها وقضاء – ط2- القاهرة – دار الفكر العربي- 1976-ص92
(2) المصدر السابق- ص 92, ص93
(3) حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية – (اسم المؤلف غير وارد ) – مجلة العدالة – تصدرها وزارة العدل – بغداد – العدد الأول – السنة الخامسة – 1979 – ص 326
(4) سورة الأحزاب- الآية 4
السبب الثالث- البينة
البينة المثبتة للنسب, هي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين, فإذا ادعى شخص ان فلانا ابنا له أو أخا أو عما فانكر المدعى عليه تلك الدعوى, فأقام المدعي البينة على دعواه حكم له بثبوت هذا النسب, باعتباره نسبا حقيقيا, قامت على صحته البينة الشرعية وترتبت عليه كل الآثار الشرعية(1).
بعد ان انتهينا من كيفية أثبات النسب والذي يتضمن في ثنياه حماية كاملة للطفل يجدر بنا ان نلقي الضوء على أحكام اللقيط والتي تعكس بدورها صورة واضحة للحماية فقد نظم الإسلام أحكام اللقطاء الذين نبذهم أهلهم بجعل التقاطهم وإيوائهم فرضا على المجتمع, فهذه النفس الإنسانية تستحق الحماية والرعاية.
واللقيط لغة: ( ما يلقط أي يرفع من الأرض, فهو على وزن فعيل بمعنى المفعول أي الملقوط, ثم غلب إطلاقه على الصبي الملقى باعتبار انه يلتقط عادة) (2)
أما اللقيط اصطلاحا فقد عرفه ابن عابدين (اسم لحي مولود طرحه أهله خوفا من العيله أو فرارا من تهمة الريبة)(3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)حسين علي الاعظمي – الأحوال الشخصية – ج1- مطبعة الرشيد – بغداد – 1945 ص 152 وانظر إليضا زكريا البرى- نفس المصدر – ص 203
ويلاحظ انه تقبل شهادة امرأة مسلمة حرة عدله لإثبات ملا يجوز ان يطلع عليه الرجال, فقد أجاز الرسول (ص)شهادة القابلة منعا للضرر لان الله سبحانه وتعالى رفع الحرج عن الناس.انظر محمد زيد الابياني – نفس المصدر – ص 25
(2) عبد الكريم زيدان – أحكام اللقيط في الشريعة الإسلامية – ط1- 1968- مطبعة سلمان الاعظمي – بغداد – ص 3
(3) حاشية رد المختار على الدر المختار – شرح تنوير الإبصار لابن عابدين – ج 4- ط2- 966- كتاب اللقيط ص 269.
كما عرفه السرخسي الحنفي بأنه اسم لحي مولود طرحه أهله خوفا من الفقر أو فرارا من تهمة الزنا (1). ويرى آخرون بان اللقيط طفل ضائع لا كافل له (2) ومن هذه التعاريف يتبين ان اللقيط طفل حديث الولادة أو انه صغير غير مميز, وعلى ذلك لا يدخل البالغ العاقل في مفهوم اللقيط لأنه لا يلتقط لعدم حاجته إلى الرعاية والحماية ولان اللقيط نفس تستحق الحفظ والرعاية فقد كان التقاطه أمرا مطلوبا في الإسلام لان فيه إنقاذ نفس من الهلاك والضياع لما فيه من معنى الأحياء. والله تعالى يقول ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). فقد ألزمت الأحكام الشرعية المسلمين كافة عند العثور على طفل لا يعرف نسبه التقاطه من محل و جوده و اعتبرت ذلك واجبا شرعيا على من يرى لقيطا في مكان يغلب على ظنه هلاكه فيه إذا تركه, فإذا تخلف المسلم عن أداء ذلك الواجب عد إثما شرعا يستحق عقاب الدنيا والآخرة(3).
ويشترط في الملتقط جملة شروط إذا تحققت فيه اقر اللقيط في يده, وإذا انتفت كلها أو بعضها نزع اللقيط من يده وسلم إلى غيره ليقوم بحفظه, ورعايته.
أما الشروط فهي:-
1- ان يكون الملتقط بالغا عاقلا لان الملتقط تكون له الولاية على اللقيط.
2- ان يكون الملتقط مسلما إذا كان اللقيط محكوما بأسلامه أي يلتقط من مكان فيه مسلم يمكن تولده منه لان الالتقاط يجعل للملتقط ولاية على اللقيط ولا ولاية لغير المسلم على المسلم – لأنه لايؤ من بالإسلام وبذلك لا يعلمه الإسلام, فيجب ان ينزع اللقيط منه.
أما إذا لم يكن اللقيط بحكم المسلم, كان يلتقط من بلد لا مسلم فيها فيجوز ان يلتقطه مسلم أو غير مسلم (4).
3- يشترط في الملتقط ان يكون عدلا فإذا التقطه فاسق انتزعه الحاكم من يده, وتعليل ذلك بان حظانة اللقيط استئمان ولا أمانة, لفاسق, والسفيه في حكم الفاسق(5)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المبسوط للسرخسي ج1- ص209 – أشار له عبد الكريم زيدان – نفس المصدر – ص3
(2) المصدر السابق – ص4
(3) زكريا البرى – نفس المصدر – ص 200
(4) محمد جواد مغنية فقه الإمام جعفر الصادق – دار العلم للملايين – ج3, 4 بيروت – ص 310, ص 311
(5) المغني ج5 – ص 687, الرملي ج5-ص44- أشار اليه عبد الكريم زيدان – المصدر نفسه ص5
وتجدر الإشارة إلى انه مثلما قد لا تتوافر فرصة الحياة للقيط بالالتقاط فقد يتزاحم على التقاطه أكثر من شخص مما يكون حكمه فيما يأتي:
1- إذا تزاحم اثنان على اخذ اللقيط, وهما أهل للالتقاط فيرجع الأمر إلى القاضي, فيسلمه إلى من يراه أصلح للقيط.
2- وان سبق احدهما الآخر في التقاط, ثبت الحق له عملا بحديث الرسول(ص) (من سبق إلى مالا يسبق إليه فهو أحق به )(1).
3- وترجح المرأة على الرجل الا إذا كانت مرضعة وذلك في حالة ان يكون اللقيط رضيعا اما ما خلا ذلك فيتساوى الرجل والمرأة. ويلاحظ بان السبب في عدم رجحان المرأة على الرجل – بالرغم من أنها ترجح في حضانة ابنها على أبيه – هو أنها أجنبية عن اللقيط والرجل يحضنه بأجنبيه. على إن المرأة غير المتزوجة ترجح على المتزوجة في حضانة اللقيط واحسب ان ذلك بسبب تفرغها لرعاية الطفل وتربيته.
4- إذا تساوى المتزاحمان في جميع الصفات واسقط احدهما حقه في حضانة اللقيط للأخر جاز ذلك.وإذا تزاحم اثنان حول التقاط طفل ومع التساوي في الشروط والمصلحة قال الجعفرية يقرع بينهما عملا بقوله تعالى ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) (2) وإلقاء الأقلام هو القرعة (3).وقال الحنفية الراي للقاضي. وان طلب المتزاحمان ان يكون اللقيط عند كل واحد منهما مدة معينة لم يجب القاضي طلبهما لضرره بمصلحة اللقيط لاختلاف المسكن عليه والألفة والطعام والأنس (4) .
5- لو ادعاه شخصان قال احدهما انه ابنه من هذه الحرة. وقال الآخر انه ابنه من هذه الأمة, عندما يفضل الأول على الثاني (5).
6- ولو وجده مسلم وغير مسلم فتنازعا قضي به للمسلم لأنه انفع للقيط وكذلك اعز الله الإسلام وان درجات الأفضلية في إعطاء اللقيط, هي المسلم على الذمي والحر على العبد والذمي الحر على العبد المسلم (6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق – ص6
(2) سورة آل عمران – الآية 44
(3) محمد جواد مغنية – نفس المصدر – ص 311
(4) عبد الكريم زيدان – نفس المصدر – ص7
(5) حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين – نفس المصدر – ص 273
(7) المصدر السابق – ص271
وتجدر الإشارة إلى انه يفترض باللقيط عند التقاطه انه حر ولا يصح التقاطه عبدا استنادا للقاعدة الشرعية القائلة بان الأصل في الإنسان الحرية وطالما كان اللقيط مجهول النسب فيفترض انه حر.كما ويحرم طرح اللقيط بعد التقاطه لأنه وجب على من التقطه حفظه (1).
وارى إن ما يفسر درجات الأفضلية المشار إليها في أعطاء اللقيط عند التزاحم عليه هو مصلحة اللقيط نفسه بالدرجة الأولى في ضوء ما تقرره أحكام الشريعة الإسلامية, وذلك بان يؤول اللقيط إلى من يمنحه الحرية لا إلى من يفرض عليه العبودية.فكان تفضيل المسلم الحر على الذمي الحر وتفضيل الحر على المسلم العبد يؤكد البعد الإنساني العميق لهذه القواعد, وبالخصوص في أعطاء اللقيط للذمي بالرغم من ان المزاحم الآخر مسلم ما دام الأول منحه الحرية.
وإذا وجد مع اللقيط مال كما يحدث في بعض الأحيان, فانه يكون مملوكا له, لثبوت أهليته الوجوب لديه, وحينئذ تكون نفقته من ماله, لان نفقة الإنسان تكون في ماله ويتولى الإنفاق عليه من هذا المال ملتقطه.اما إذا لم يكن له مال فان نفقته تكون من بيت المال .قدر له من بيت المال أجرة رضاعة وحضانة وطعام وكسوة.فإذا تبرع شخص بالأنفاق عليه سقط وجوب نفقته من بيت المال.ومثلما جعلت الشريعة لمن التقطه ولاية حفظه وتربيته وتعليمه حرفة أو مهنة تنفعه وتفيد المجتمع فقد أجازت له ان يتصرف في ماله بالبيع والشراء والإيجار على الوجه الذي يحقق مصلحة اللقيط بوصفه صغيرا وفق القواعد الشرعية (2).
وأخيرا فقد يدعي نسب اللقيط شخص, وحينئذ يثبت نسب اللقيط لمن ادعاه بالبينة عند المالكي.
أما الأحناف فان الادعاء بالنسب يكفي لثبوته إلا إذا تزاحم أكثر من شخص على ذلك فلا بد من بينة عندئذ. أما الشافعية والحنابلة فذهبوا إلى انه إذا ادعى اثنان نسب اللقيط فيرجع إلى القائف الذي له تحديد نسبه بطريق الشبه(3). أما الجعفرية فان نسب اللقيط يثبت لديهم إلى من ادعاه بمجرد الادعاء ولو لم يكن مسلما.
وترجع ما ذهب إليه الأحناف والجعفرية لاتفاقه ومنفعة اللقيط وكونه يساهم في تسيير أثبات نسب اللقيط وتحقيق مصلحته بضمه لعائلة ترعاه وتسهر عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق – ص 269
(2) محمد الحسيني حنفي – الأحوال الشخصية – حقوق الأولاد والأقارب – دار الفكر العربي – 1965-ص143
(3) انظر حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية – مجلة العدالة – نفس المصدر – ص 328
في ضوء قانون الطفل رقم لسنة
بحث مقدم من
اسامة محمد عثمان
تحت اشراف
أ د/محمد منصور حمزة
شكر وتقدير
انه لمن دواعي العرفان بالجميل أن أسجل عميق شكري وامتناني لأستاذ الدكتور محمد منصور حمز رئيس قسم الشريعة الاسلامية كلية حقوق بنها الذي تشرفت بقبوله الأشراف على إعداد بحثي هذا. وقد أسدى في سبيل ذلك عونا كبيرا وإرشادا سديدا ساعداني على أنجاز هذا البحث.وفقه الله لما هو خير وجزاه اجل الثواب.
أسامة محمد عثمان
المقدمة
الطفل هو المولود ما دام ناعما رخصا، ويبقى هذا الاسم له حتى يميز (1). أما في الاصطلاح الشرعي فالطفل هو من لا يفقه ولا يفهم لصغر سنة بدليل قوله تعالى (( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء)) (2) يعني لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن(3).
وهو من جهة أخرى من يعتمد في عيشه على من يرعاه والا هلك لقوله تعالى ((ثم نخرجهم طفلا)) (4) أي ضعيفا في بدنه وحواسه وعقله. ثم يعطيه الله القوة شيئا فشيئا. ويلطف به ويحنن عليه والديه أناء الليل وأطراف النهار. لقوله تعالى (( ثم لتبلغوا أشدكم))(5) أي تتكامل القوى وتتزايد, ويصل عنفوان الشباب وحسن النظر (6) مما يستدل عليه من قوله تعالى (( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير )) (7).
أما مفهوم الطفل في القانون, فهو إنسان كامل الخلق والتكوين يملك القدرات العقلية والروحية والعاطفية والبدنية والحسية وهي قدرات لا ينقصها سوى النضج والتفاعل بالسلوك البشري في المجتمع لينشطها ويدفعها للعمل فينمو الاتجاه السلوكي الإداري لدى الطفل داخل المجتمع الذي يعيش فيه (.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)المعجم الوسيط-ج1- إبراهيم مصطفى, احمد حسن الزيات, حامد عبد القادر محمد على النجار-مطبعة مصر-1381هـ-1961م- ص566 ومرتضى الزبيدي – تاج العروس من جواهر القاموس – منشورات دار مكتبة الحياة بيروت ص 417.
(2)سورة النور- رقم الآية 31.
(3) تفسير ابن كثير ج4- للإمام الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي- دار الأندلس للطباعة والنشر – بيروت – ط1- ص 615, 616 ينظر أيضا زبدة التفسير من فتح القدير – محمد سليمان عبد الله الأشقر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية – الكويت ط1-1406هـ 1985م- ص462.
(4)سورة الحج-رقم الآية
(5)سورة الحج- رقم الآية (5)
(6)تفسير ابن كثير – نفس المصدر – ج5- ص92.
(7)سورة الروم- رقم الآية 54.
(حسن نصار- تشريعات حماية الطفولة – منشاة المعارف- الإسكندرية- ص 18.
وإذا كانت الطفولة هي نبت الحياة, فقد غدا حق الطفل في هذه الحياة حق أصيل تتفرع عنه حقوق أخرى وهذه الحقوق تحمي الطفل وتحيطه بالأمان لحين وصوله السن التي تجعله مؤهلا بدنيا وروحيا وعقلا ليتولى زمام أمره ويعرف واجباته ويقوم بدور فاعل في المجتمع.
وحقوق الطفل تتكاثر كلما تتابعت سنوات عمره وتتنوع بتنوع علاقاته, بأمه, وأبيه وبأسرته عموما أو بالناس الآخرين ثم علاقته بمجتمعه.
وبتنوع حقوق الطفل تتنوع وسائل الحماية تبعا لذلك وتتقرر حقوقه ولو كان لقيطا إذ تكون علاقته عندئذ بالدولة مباشرة, فهي تحمي وجوده وإنسانيته وحقه في الانتساب إلى وطنه(1)
وقد نال الطفل صورا متفاوتة من الحماية في ظل التشريعات قديمها وحديثها, فبرجوع إلى القوانين العراقية القديمة والتي أهمها قانون حمورابي نجد انه قد ضمن جانبا من جوانب حماية الطفولة ومنها ما يتعلق بالتبني, فقد نصت المادة (191) منه ((إذا تبنى رجلا طفلا ورباه وبنى له بيتا, وحصل (المتبني ) بعد ذلك على أولاد. (ومن ثم ) قرر ( الرجل ) التخلي عن ابنه المتبني فلا يذهب ذلك الابن (حاليا), فعلى الوالد الذي رباه أن يعطيه ثلث ميراثه من أمواله ويذهب, ولا
يعطيه أية (حصة) من الحقل أو البستان أو البيت )). ونصت المادة (193) منه (( إذا وجد (اكتشف)ابن تابع القصر أو ابن حريم القصر (المتبني ) بيت أبيه ( الأصلي ), وكره الوالد الذي رباه (تبناه) والأم التي ربته (تبنته) وذهب إلى بيت أبـيه ( الأصلي ), فعليهم أن يقلعوا عنه )) (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)نفس المصدر السابق-ص10.
(2) الدكتور فوزي رشيد – الشرائع العراقية القديمة- دار الحرية للطباعة – مطبعة الجمهورية- بغداد-1973-ص125, ص126.
ويلاحظ على قانون حمورابي شانه في ذلك شان القوانين القديمة الأخرى عدم أيراد نصوص خاصة بالأطفال تحدد مسؤولياتهم الجزائية عن أفعالهم, الأمر الذي يدل على إقرار مساءلتهم على نحو ما يسأل به البالغون. وذلك لان المسؤولية الجزائية في تلك الحقبة الزمنية كانت تسمى بالمسؤولية المادية إذا لم يكن العقل البشري حينذاك قد توصل إلى إدراك الرابطة النفسية بين الحدث الجرمي ونفسية فاعله وهو ما يطلق عليه بالبنية الآثمة أو الركن المعنوي. لذلك كان الأطفال والمجانين يسألون عما يقع منهم من أفعال ونتائج(1)
إلا إن الطفل قد نال قدرا كبيرا من الحماية في ظل الشريعة الإسلامية, ولا نستطيع أن نتصور مدى فضل الشريعة الإسلامية من حيث حمايتها للصغير إلا إذا عرفنا وضعه في ظل القوانين القديمة التي كانت تسبق أو تعاصر الشريعة الإسلامية عند نزولها واهم هذه القوانين, القانون الروماني الذي هو أساس القوانين الأوربية الحديثة (2)
فإذا عرف القانون الروماني نظام التبني الذي يتضمن بقاء الطفل المتبني محتفضاً بحقه في الإرث من أسرته الأصلية, ومنح البنوة الشرعية للابن الطبيعي(3), فان القانون الروماني الذي يعتبر ارقي القوانين الوضعية في حينه لم يميز بين مسؤولية الصغار والكبار إلا بقدر محدود, فكان يرى الطفل الذي زاد سنه على السابعة مسؤولاً جزائياً عن عمله, وشتان بين هذا الحكم وبين حكم الصغير في الشريعة الإسلامية (4).لذلك يمكن القول بان الشريعة الإسلامية أول شريعة في العالم ميزت بين الصغار والكبار من حيث المسؤولية الجزائية تمييزا كاملا, فهي أول من وضع قواعد خاصة في مسؤولية الصغار ما زالت تعتبر الأوفق منذ أربعة عشر قرنا حتى العصر الحاضر وستبقى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)د.ضاري خليل محمود-اثر العاهة العقلية في المسؤولية الجنائية- منشورات وزارة العدل-دار القادسية للطباعة- بغداد-1982-ص27.
(2)عبد القادر عودة- التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي- مكتبة دار العروبة – مصر -1959-ج1- ط1- ص600.
(3)د.صبيح مسكوني-القانون الروماني- مطبعة شفيق- بغداد-1968-ط1ص93
(4)عبد القادر عودة- نفس المصدر- ص599.
وبالنسبة للقوانين الوضعية بعد الثورة الصناعية في أوربا فقد كانت الطفولة تفتقر إلى الحماية الضرورية.فكان الأطفال يعملون ساعات طويلة وفي أماكن غير صحية ويعانون من سوء التغذية ,كما كانوا يتعرضون إلى أقسى العقوبات شانهم في ذلك شان الكبار دون الأخذ بنظر الاعتبار صغر سنهم وما يتبعه من ضعف الجسم والملكات الذهنية(1).وآية ذلك, ان التشريعات القديمة كانت تقيم أساس المسؤولية الجزائية على النتيجة الضارة التي تحدث دون الاهتمام بالفاعل من حيث شخصيته أو عمره أو ظروفه.
على ان التشريعات حينما تحمي الطفل فأنها لا تصون مستقبله وتعزز ديمومة حياته فقط وإنما تعزز ديمومة المجتمع وتطوره باعتبار ان الطفل اليوم رجل المستقبل من هنا كان هم التشريعات المعاصرة على الصعيدين الداخلي والدولي توفير جميع أشكال الحماية للطفل ضمانا لمستقبل أفضل له.
ويتضح ذلك من خلال المبادئ التي جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 ومنها ان يولد جميع الناس أحرارا متساويين في الكرامة والحقوق وان لكل فرد الحق في الحياة والحرية والسلامة الشخصية, وانه لا يجوز استرقاق أو استبعاد أي شخص وتحظر تجارة الرقيق بكافة أوضاعها (2).
وكذلك الاعتراف بالشخصية القانونية لكل شخص وان يتمتع بجنسية ما, وهذه الجنسية هي التي تحدد شخصيته في مجال العلاقة الدولية (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سعد بسيسو –محاكم الإحداث والمدارس الإصلاحية – مطبعة التفيض- بغداد 1949- ص2, ص3.
(2) عبد المجيد إسماعيل حقي والسيدة زاهدة احمد سعد الله – حقوق الطفل في التشريعات الدولية- مجلة العدالة – العدد الرابع – السنة الخامسة- 1979-ص 117.
كان للإسلام سبق الفضل في اعتماد هذا المبدأ منذ أكثر من أربعة عشر قرنا حيث ورد المبدأ بصريح لفظه على لسان الخليفة عمر بن الخطاب (رض) في قوله الشهير ( متى استعبدتم وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).
(3) المصدر السابق نفس الصفحة.
كما إن الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 أكدت على إن لكل طفل الحق في الحماية التي يستوجبها على أسرته وعلى المجتمع وعلى الدولة دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الديانة أو الأصل القومي أو الاجتماعي, كما أكدت على أن يكون لكل طفل فور ولادته اسم وتكون له جنسية.
وأكدت الاتفاقية المذكورة أيضا على ان لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة ويحمي القانون هذا الحق ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي, كما حرمت الاسترقاق والاتجار بالرقيق بكافة أشكاله, ونصت على ان لكل فرد الحق في الحرية والسلامة الشخصية.
أما إعلان حقوق الطفل الصادر سنة 1959 فقد جاء بمبادئ تضمنت حماية واسعة للطفل وذلك بان يكون له التمتع منذ ولاته باسم وجنسية.وكذلك حمايته قبل وبعد مولده بان تمنح الرعاية والحماية له ولامه قبل وبعد ولاته وان يكون له الحق في التغذية الكافية والمأوى والعناية الطبية, وأوجبت ان يكون للطفل المقام الأول في الحصول على الوقاية والإغاثة عند الكوارث ويجب ضمان وقايته من أنواع الإهمال والقسوة والاستغلال والاتجار به.كما أكد الإعلان المذكور أيضا على حق الطفل في التعليم الإلزامي المجاني على الأقل في المرحلة الابتدائية وان لا يسمح للطفل بأي حال من الأحوال ان يتولى حرفة أو عملاً يعرقل تعليمه.
وهذا الحق أيضا كان قد أكد عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948 في وجوب ان يكون التعليم في مرحلته الأولى والأساسية إلزاميا وبالمجان (1) ولما كانت الطفولة ثروة بشرية فان المجتمع الدولي من اجل حمايتها قام من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1946 بإنشاء منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة ( اليونيسيف) (2).
ولعل من نافلة القول أن نشير إلى ان التشريع العراقي قد اعتمد هذه المبادئ الدولية التي تحمي الطفولة في تشريعاته التربوية كقانون التعليم الإلزامي(3) والتشريعات ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية كقانون الرعاية الاجتماعية وقانون رعاية القاصرين وقانون العمل(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق- الصفحات 1170 وما بعدها
(2) نفس المصدر السابق –ص 1175
(3) قضت المادة الأولى من قانون التعليم الإلزامي رقم 118 لسنة 1976 بمجانية وإلزامية التعليم لمن أكمل السادسة من العمر.
(4) يستنتج من أحكام المواد 91 و 96 من قانون العمل رقم 71 لسنة 1987, عدم تشغيل من لم يبلغ الخامسة عشر من العمر في أي نوع من أنواع العمل سوى العمل في الوسط العائلي تحت إدارة وأشراف الأب أو الأم أو الأخ.
كما ان جمهورية العراق قد صادقت بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 646 الصادر في 4/8/1986 على ميثاق حقوق الطفل العربي والذي أصبح يدعى بـ (قانون ميثاق حقوق الطفل العربي رقم 72 لسنة 1986 ) والذي ضمن حقوق الطفل العربي بشكل متكامل منذ ولادته وقبلها حتى بلوغه الخامسة عشرة من العمر وقد حرص هذا القانون على تامين رعاية وحماية شاملة وكاملة لكل طفل عربي(1).
بالنظر لما استأثرت به الطفولة ورعايتها من اهتمام دولي واسع, الأمر الذي تمخض عنه اعتبار عام 1979 سنة دولية حيث استحوذ اهتماما كبيرا من لدن الحكومة العراقية فعقدت العديد من الحلقات والندوات الدراسية فضلا عن سنها العديد من التشريعات التي تؤكد حماية الطفولة وإنمائها(2).
والنظر للأهمية والاهتمام الكبير والمتزايد بحقوق الطفل فقد اخترته موضوعا لهذا البحث لما له من علاقة وثيقة بالعمل القانوني والقضائي على الرغم مما يعتمل هذا البحث من صعوبات جلها تتعلق بسعة نطاقه وعمق وتنوع مضامينه.
هذا وسنتولى دراسة بحثنا في قسمين نخصص القسم الأول لدراسة الحماية الحقوقية للطفل مبينين مظاهرها في الشريعة الإسلامية والقانون, فيما نخصص القسم الثاني لدراسة الحماية الجزائية للطفل مبينين مظاهرها في الشريعة والقانون أيضا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قانون ميثاق حقوق الطفل العربي- منشورات وزارة الثقافة والأعلام-دار ثقافة الأطفال رقم الإيداع في المكتبة الوطنية ببغداد 1240 لسنة 1986
(2) قرار مجلس قيادة الثورة القاضي بمنح الأم الموظفة إجازة أمومة أمدها ستة اشهر بنصف راتب من اجل رعاية الطفل.
قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 881 في 29/11/1987, الذي منح مخصصات عائلية للطفل الرابع مقدارها 25 دينارا إلى حين بلوغه السنة الثالثة من العمر ويتجدد هذا الحق عند كل مولود بعد المولود الرابع.
قرار مجلس الثورة المرقم 882 في 29/11/1987 الذي تضمن منح الأم الموظفة إجازة أمومة لمدة سنة, ستة اشهر منها براتب تام وستة اشهر بنصف راتب حيث تبقى الأم بجانب طفلها لمدة سنة كاملة. ان هذين القرارين وان كان سبب صدورهما الحملة الوطنية لتشجيع الإنجاب الا أنهما بلا شك يتضمنان حماية وسعة للطفولة.
القسم الأول
الحماية والحقوقية للطفل
لقد شملت الشريعة الإسلامية بحمايتها ورعايتها الإنسان منذ ادوار حياته الأولى بحماية خاصة, فصانت آدميته وحياته(1). بل تولت حمايته وهو جنين بان أثبتت له الميراث وأجازت له الوصية وألحقت نسبه بابيه ولم توجب عليه الالتزامات لثبوت أهليه الوجوب الناقصة له وانعدام أهلية الأداء لديه(2). وان القوانين الوضعية حاولت حماية الطفولة ورعايتها أيضا, فقررت بان حقوق الطفل تنشا معه منذ خلقه جنينا حيث يتدخل القانون لينشئ علاقة فرضية بالحياة فيضفي عليه حمايته إلى حين ولادته.وحقوق الطفل, حقوق لا يجوز التنازل عنها, فهو ليس أهلا للنزول عن أي حقل له كما لا يجوز ان ينسب إليها أي تفريط في حق من حقوقه.ذلك لأنه لا يدرك معنى النزول عن الحق أو التفريط فيه. حيث تظل حقوقه تحت ولاية وليه أو وصاية وصية وفي حماية الدولة, فضلا عن انه لا يجوز لهذا الولي أو الوصي ان يتنازل عن حق من حقوق الطفل (3). وقد توزعت قواعد الحماية الحقوقية للطفل بين التشريعات المختلفة حسب الطبيعة القانونية لكل منهما فالحقوق التي تتعلق بشخص الطفل ونموه ورضاعته وحضانته ومعاشه وظروف ارتباطه أسرته, تكفلت بحمايتها قوانين الأحوال الشخصية, أما ما يتعلق بأموره المدنية فقد وردت في التشريعات المدنية. على ان توزع قواعد الحماية الحقوقية للطفل في العديد من التشريعات لا يعني وجود حواجز جامدة بينها, إنما كل منها يكمل الأخر وتشترك جميعا في حماية حقوق الطفل, حتى تصل الغاية النهائية وهي حماية جيل كامل من الأطفال ليأخذ دوره بعد بلوغه في قيادة مستقبل المجتمع , لذلك فقد قيل ان أطفال اليوم هم رجال المستقبل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لقد اهتم الإسلام بأمر الطفل حتى قبل أن يتزوج أبوه وأمه وذلك في حسن اختيار ألام والأب على حد سواء ومن ذلك قول الرسول (ص) للرجل (تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) عن البخاري ومسلم أشار إليه الدكتور محمود الحاج قاسم محمد – تاريخ طب الأطفال عند العرب – منشورات وزارة الثقافة والفنون الجمهورية العراقية – 978-ص 25 وقول الرسول (ص) للفتاة وذويها (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه الا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد عريض ) عن الترمذي أشار له الدكتور محمد قاسم محمد – المصدر السابق- ص25.
(2) الدكتور يعقوب عبد الوهاب – موقف الشريعة الإسلامية من الطفل – مجلة العدالة تصدرها وزارة العدل – بغداد – العدد الثاني – السنة الخامسة – 1979 ص 656و657
(3) حسني نصار – نفس المصدر – ص 28.
والواضح ان توزع النصوص الخاصة بحماية الطفولة حسب نوعيتها وانتمائها هو أمر طبيعي ولا يشترط جمعها في قانون واحد.
وإنما يتطلب الأمر إزالة التناقض الحاصل بينها ان وجد, ومن ثم التنسيق بينها والعمل على اعتماد نظريات وطرق تفسير خاصة بها تنسجم ومعالجة مشاكل الطفولة وحمايتها ليكون تطبيقها بأسلوب اجتماعي متطور يراعي ظروف البيئة التي نشا فيها الطفل, كما يراعى حداثة الطفل باعتباره شخصا موضوعا على نحو دائم تحت الحماية القانونية.
وبغية إيضاح الحماية الحقوقية للطفل سنتولى بحث مظاهر الحماية الحقوقية للطفل في الشريعة الإسلامية في الفصل الأول ثم مظاهر الحماية الحقوقية للطفل في القانون في الفصل الثاني.
الفصل الأول
مظاهر الحماية الحقوقية للطفل في الشريعة الإسلامية
ان الحكمة في تشريع الزواج هي التوالد والتناسل للمحافظة على النوع الإنساني, هذا من جهة ومن جهة أخرى تكوين وحدة اجتماعية تسمى العائلة, تتألف من الزوج والزوجة والاولاد, ثمرة الحياة الزوجية.
وقد شرع الله تعالى أحكاما لرعاية الأطفال منذ ولادتهم, منها ما يتعلق بثبوت نسبهم من الزوجين لان في عدم ثبوته ضياعا لهم و ثبوت حق الرضاعة لتغذيتهم في أول فترات حياتهم.لضمان صحتهم ونموهم.وثبوت حق الحضانة لأنهم في حاجة إلى من يرعى شؤونهم من مأكل ومشرب وملبس وغير ذلك. كذلك فهم لا يستطيعون تدبير شؤون أنفسهم ورعاية ما قد يكون لهم من أموال فينصب عليهم من يقوم برعاية شؤونهم من تعليم وتأديب ومن يقوم برعاية أموالهم والمحافظة عليها والعمل على إنمائها. وهذان نوعا الولاية على النفس وعلى المال. كما أنهم في اغلب الأحيان ليس لديهم في حال صغرهم مالا ينفق منه عليهم ولا يستطيعون تحصيل رزقهم بأنهم فيثبت لهم حق النفقة على والديهم.وسنتناول بالبحث حقوق الطفل الشرعية المذكورة.
المبحث الأول- النسب
النسب قرابة ناشئة من صلة الدم بالتناسل (1) أو هو اتصال شخص بغيره لانتماء احدهما في الولادة إلى الآخر أو لانتمائها إلى ثالث على الوجه الشرعي(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عمر فروخ – الأسرة في الشرع الإسلامي – ص98 أشار إليه علي عبد الرزاق- أحكام الصغير في الشريعة الإسلامية والقانون – رسالة ماجستير قدمت إلى جامعة بغداد كلية الآداب – آب 1970 – ص 9.
(2) مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاقة للعاملي - مطبعة الشورى مصر – 1326 هـ أشار إليه علي عبد الرزاق – المصدر السابق – ص9
ولان النسب رابطة سامية و وصلة عظيمة على جانب كبير من الخطورة, فان الشارع الحكيم لم يدعها نهبا للعواطف والأهواء, تهبها لمن تشاء وتمنعها عمن تشاء بل تولاه بتشريعه. لذلك صانت الشريعة الإسلامية الأنساب من الضياع والتزييف وجعلت ثبوت النسب حقا للطفل يدفع به عن نفسه الضياع والتزييف وجعلت ثبوت النسب حقا للطفل يدفع به عن نفسه الضياع والعار (1).
ويكتسب به ما يستحق من الحقوق كالميراث.ويعد حق النسب حقا اصليا تأتي بعده الحقوق الشرعية الأخرى, بصورة تلقائية, فله الحق في ان يحمل اسم أبيه ويرث ماله وعلى الأب واجب رعايته ونفقته. وكذلك يرتب ثبوت نسب الأولاد للأبوين حقوقا مختلفة للولد على أبويه و اقاربهما وفي المقابل لأبويه واقاربهما عليه كحرمة المصاهرة وحق النفقة إذا توافرت شروطها (2).
ويثبت نسب الطفل بأحد الأسباب الآتية:
السبب الأول – الفراش
الفراش عند الأحناف مجرد عقد الزواج, فالعقد وحده يكفي لإثبات النسب من غير اشتراط أمكان الدخول, فمن ولدت طفلها لأقل مدة الحمل وهي ستة اشهر من حين العقد ثبت نسبه من زوجها دون الحاجة إلى بينة منها أو أقرار منه. ويسري هذا الحكم حتى وان لم يلتقيا, كان يكون هو في أقصى المشرق وتكون هي في أقصى المغرب, أو يكون قد طلقها عقب مجلس العقد. وأساس هذا الرأي التمسك بحديث الرسول (ص) (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فالولد لصاحب الفراش وهو الزوج, ويراد هنا بالعاهر الزاني ومعنى ان له الحجر أي الرجم بالحجر عقوبة على جريمته, وله الخيبة والخسران ولا نسب له. فيدل هذا على ان المعتبر هو العقد الذي هو مضنة الوط (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) زكريا البرى- أحكام الأساسية للأسرة الإسلامية في الفقه والقانون- معهد الدراسات الإسلامية بالزمالك – دار الاتحاد العربي للطباعة – ص 186
(2) محسن ناجي المحامي – شرح قانون الأحوال الشخصية – ط1 مطبعة الرابطة – بغداد – 1962- ص 366.
(3) الشيخ حسن خالد ,عدنان نجا – أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية دار الفكر – بيروت – ط2-1972-ص241و242.
اما المالكية والشافعية والحنابلة, فإنهم يرون العقد الصحيح هو السبب في ثبوت النسب, بشرط أمكان الدخول (1). وهذا ما ذهب إليه الجعفرية أيضا(2).
وقد اخذ المشرع العراقي في المادة 51/2 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل برأي جمهور الفقهاء في اشتراط أمكان الدخول بعد العقد لثبوت النسب, وهو ما نؤ يده لاتفاقه مع مقتضيات الواقع وقربه من الحقيقة.
وتجدر الإشارة إلى انه يلحق بالفراش الصحيح الدخول بالمرأة في عقد الزواج فاسد ووطؤها بشبهه, كان تزف للرجل امرأة على أنها زوجته, وهي ليست زوجته حقيقة أو ان يخالط الرجل المرأة التي طلقها بلفظ ليس من ألفاظ الطلاق الصريحة (3) ويتضح من خلال ما تقدم مدى الحماية التي أسبغتها الشريعة الإسلامية للطفل بصورة واضحة وجلية بإثبات نسبه في بعض الحالات بالرغم من عدم تحقق الزواج الصحيح.
هذا وقد أحاط الشارع الكريم ثبوت النسب بالفراش بعدد من الشروط لابد من توافرها وهي:
أولا: ان يكون حمل الزوجة من زوجها ممكنا و فلا يثبت نسب الولد من زوج صغير السن ليس قادرا على الجماع الجنسي وهذا متفق عليه بين الفقهاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق – ص 242
(2) محمد حسين الذهبي – الاحوال الشخصية بين مذهب أهل السنة ومذهب الجعفرية شركة الطبع والنشر الاهلية – 1958 ب بغداد – ط 1 ص 333.
(3) زكريا البرى – نفس المصدر – ص 187
ثانيا- أن تأتي الزوجة بالطفل لستة اشهر في الأقل من تاريخ العقد, حيث اتفقت كلمة الفقهاء على ان اقل مدة ينزل الجنين بعدها من بطن أمه متميز الأعضاء حيا ستة اشهر, وحجتهم في ذلك قوله تعالى في سورة الإحقاف /الآية 15 (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها, ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)وقوله تعالى في سورة لقمان / الآيـة 14 ( ووصينا الإنسان بوالديه, حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين ).فإذا طرحنا مدة الفصال التي هي عامان من مدة الحمل والفصال التي هي ثلاثون شهرا بقي ستة اشهر وهي اقل مدة الحمل (1).
ثالثا – وعلى ما رأينا في الآيتين الكريمتين التين سبقت الإشارة اليهما أنهما أوردتا اقل مدة الحما فانه لم يرد شيء في القرآن الكريم ولا سنة رسوله (ص) ما يشير إلى أقصى مدة الحمل. الأمر الذي جعل أراء الفقهاء تتضارب وتتصارع, وتختلف اختلافا كثيرا فمنهم من يرى ان أقصى مدة الحمل سنتان وهم الحنفية ويسدلون على ذلك بقول عائشة (رض) 0 ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عمود المغزل)
ومن الفقهاء من يرى ان أقصى مدة الحمل أربع سنوات وهم الشافعي ومالك واحمد (رضي الله عنهم) وحجتهم على ذلك ما روى من ان رجلا قال لمالك بن انس أني حدثت عن عائشة (رض) أنها قالت لا تزيد المرأة في حملها على سنتين.فقال (سبحان الله من يقول هذا هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان, امرأة صدق, وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة تحمل بطن أربع سنين)كما حددها الظاهرية بتسعة اشهر (2) وحددها فقهاء الشيعة بتسعة اشهر على الأغلب ويمكن ان تصل إلى سنة (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محمد زيد الابياني – شرح الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية – مكتبة النهضة بيروت – ج2-ص3
(2) الشيخ حسن خالد, عدنان نجا – نفس المصدر – ص246
(3) محمد مصطفى شلبي – أحكام الأسرة في الإسلام – دراسة مقارنة بين فقه المذاهب السنية والمذهب الجعفري والقانون – الدار الجامعية – ط 4 – بيروت 1983 – ص 698.
رابعا – ان لا ينفي الزوج النسب, فإذا نفاه انتفى نسبه منه, بعد ان يلاعن زوجته اللعان الشرعي(1), الذي قررته الآية القرآنية ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الا أنفسهم فشهادة احدهم أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين. والخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين, ويدرأ عنها العذاب ان تشهد أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين, والخامسة ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين (2) ويتم اللعان بين الزوج وزوجته أمام القاضي.
ولكن هناك حالات لا ينتفي فيها النسب ولو مع ثبوت اللعان وهي:-
1- لا ينتفي نسب الطفل ولو مع اللعان الذي تم التفريق بناء عليه بعد ان سبق للزوج ان علم بالمولود في أوقات مخصوصة وهي وقت الولادة أو وقت شراء لوازمها أو وقت علمه بان زوجته ولدت ان كان غائبا ولم ينفه في حينه.
2- إذا نفى الرجل النسب بعد الإقرار به صراحة أو دلالة, فلا يصح هذا النفي لأنه سبق وان اعترف بالنسب.
3- إذا ولد الطفل ميتا أو مات أثناء اللعان قبل التفريق بينهما, والسبب في ذلك ان النفي حكم والميت لا يصح الحكم عليه.
4- إذا نفي الرجل نسب الطفل ثم مات الزوج أو الزوجة قبل اللعان أو بعده وقبل الحكم بالتفريق لا يتم نفي النسب(3).
ونرى من خلال ما تقدم ما يتمتع به الطفل من حماية ورعاية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية.
السبب الثاني – الإقرار
الإقرار بالنسب نوعان هما:
1- أقرارا ليس فيه تحميل النسب على الغير.
2- أقرار فيه تحميل النسب على الغير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) زكريا البري- نفس المصدر – ص191 وانظر أيضا محمد مصطفى شلبي – نفس المصدر – ص 617
(2) سورة النور- الآيات من 6 – 9
(3) محمد زيد الابياني – نفس المصدر – ص 5, 6, 8
وبالنسبة للأول يكون بالإقرار بالبنوة المباشرة أو الأبوة المباشرة, وذلك بان يقر الرجل ان هذا الولد ابنه, أو يقر الولد بان هذا الرجل أبوه. وفي هاتين الحالتين لا يشترط ان يثبت الغير هذا النسب لان المقر هنا يكون قد حمل النسب على نفسه.
وأما النوع الثاني, ان يقر بان فلان ابن ابنه, وفي هذا النوع من الإقرار تحميل النسب على غير المقر, فيجب ان يثبت في هذا المثال نسب المقر له إلى ابن المقر أولا, وهذا هو تحميل النسب على الغير.والنوع الأول من الإقرار بالنسب هو الإقرار بالبنوة المباشرة أو الأبوة المباشرة.أما النوع الثاني من الإقرار فهو الإقرار غير المباشر(1).ويشترط لصحة الإقرار:-
1- ان يولد مثل المقر له بالنسب من مثل المقر, وإذا لم يكن كذلك فلا يثبت النسب بالإقرار لان هذا الإقرار يكون كاذبا مثاله ان يكون المقر بعمر يصدق معه ان يكون أبا للمقر له.
2- ان لا يكون المقر له ثابت النسب من غير المقر, وذلك لأنه لا يتصور ثبوت نسب الولد من اثنين في وقت واحد.
3- الا يذكر المقر بان هذا الولد من الزنى, والمعروف ان الزنا لا يصلح سببا للنسب إسنادا للحديث الشريف (الولد للفراش وللعاهر الحجر).
4- ان يصدق المقر له بالبنوة على الإقرار ان كان مميزا(2).
وتجدر الإشارة إلى بيان الفرق بين الإقرار بالبنوة والتبني... فالإقرار ... اعتراف شخص ما بنسب حقيقي لشخص مجهول النسب وانه قد خلق من مائة, اما التبني فهو إلحاق شخص معرف النسب أو مجهول النسب ونسبته إلى نفسه(3).
وإذا كان العرب قبل الإسلام يدعون أبناء غير أبنائهم, وينسبونهم أليهم, ويجرون عليهم أحكام الأبناء الصلبيين, من تحريم زواج وغيره, فان الإسلام أبطل تلك العادة, وألغى ما كانوا يرتبون عليها من أحكام, لقوله تعالى في محكم كتابه(وما جعل أدعياء كم أبناءكم لكم قولهم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل)(4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد العزيز عامر – الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية فقها وقضاء – ط2- القاهرة – دار الفكر العربي- 1976-ص92
(2) المصدر السابق- ص 92, ص93
(3) حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية – (اسم المؤلف غير وارد ) – مجلة العدالة – تصدرها وزارة العدل – بغداد – العدد الأول – السنة الخامسة – 1979 – ص 326
(4) سورة الأحزاب- الآية 4
السبب الثالث- البينة
البينة المثبتة للنسب, هي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين, فإذا ادعى شخص ان فلانا ابنا له أو أخا أو عما فانكر المدعى عليه تلك الدعوى, فأقام المدعي البينة على دعواه حكم له بثبوت هذا النسب, باعتباره نسبا حقيقيا, قامت على صحته البينة الشرعية وترتبت عليه كل الآثار الشرعية(1).
بعد ان انتهينا من كيفية أثبات النسب والذي يتضمن في ثنياه حماية كاملة للطفل يجدر بنا ان نلقي الضوء على أحكام اللقيط والتي تعكس بدورها صورة واضحة للحماية فقد نظم الإسلام أحكام اللقطاء الذين نبذهم أهلهم بجعل التقاطهم وإيوائهم فرضا على المجتمع, فهذه النفس الإنسانية تستحق الحماية والرعاية.
واللقيط لغة: ( ما يلقط أي يرفع من الأرض, فهو على وزن فعيل بمعنى المفعول أي الملقوط, ثم غلب إطلاقه على الصبي الملقى باعتبار انه يلتقط عادة) (2)
أما اللقيط اصطلاحا فقد عرفه ابن عابدين (اسم لحي مولود طرحه أهله خوفا من العيله أو فرارا من تهمة الريبة)(3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)حسين علي الاعظمي – الأحوال الشخصية – ج1- مطبعة الرشيد – بغداد – 1945 ص 152 وانظر إليضا زكريا البرى- نفس المصدر – ص 203
ويلاحظ انه تقبل شهادة امرأة مسلمة حرة عدله لإثبات ملا يجوز ان يطلع عليه الرجال, فقد أجاز الرسول (ص)شهادة القابلة منعا للضرر لان الله سبحانه وتعالى رفع الحرج عن الناس.انظر محمد زيد الابياني – نفس المصدر – ص 25
(2) عبد الكريم زيدان – أحكام اللقيط في الشريعة الإسلامية – ط1- 1968- مطبعة سلمان الاعظمي – بغداد – ص 3
(3) حاشية رد المختار على الدر المختار – شرح تنوير الإبصار لابن عابدين – ج 4- ط2- 966- كتاب اللقيط ص 269.
كما عرفه السرخسي الحنفي بأنه اسم لحي مولود طرحه أهله خوفا من الفقر أو فرارا من تهمة الزنا (1). ويرى آخرون بان اللقيط طفل ضائع لا كافل له (2) ومن هذه التعاريف يتبين ان اللقيط طفل حديث الولادة أو انه صغير غير مميز, وعلى ذلك لا يدخل البالغ العاقل في مفهوم اللقيط لأنه لا يلتقط لعدم حاجته إلى الرعاية والحماية ولان اللقيط نفس تستحق الحفظ والرعاية فقد كان التقاطه أمرا مطلوبا في الإسلام لان فيه إنقاذ نفس من الهلاك والضياع لما فيه من معنى الأحياء. والله تعالى يقول ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). فقد ألزمت الأحكام الشرعية المسلمين كافة عند العثور على طفل لا يعرف نسبه التقاطه من محل و جوده و اعتبرت ذلك واجبا شرعيا على من يرى لقيطا في مكان يغلب على ظنه هلاكه فيه إذا تركه, فإذا تخلف المسلم عن أداء ذلك الواجب عد إثما شرعا يستحق عقاب الدنيا والآخرة(3).
ويشترط في الملتقط جملة شروط إذا تحققت فيه اقر اللقيط في يده, وإذا انتفت كلها أو بعضها نزع اللقيط من يده وسلم إلى غيره ليقوم بحفظه, ورعايته.
أما الشروط فهي:-
1- ان يكون الملتقط بالغا عاقلا لان الملتقط تكون له الولاية على اللقيط.
2- ان يكون الملتقط مسلما إذا كان اللقيط محكوما بأسلامه أي يلتقط من مكان فيه مسلم يمكن تولده منه لان الالتقاط يجعل للملتقط ولاية على اللقيط ولا ولاية لغير المسلم على المسلم – لأنه لايؤ من بالإسلام وبذلك لا يعلمه الإسلام, فيجب ان ينزع اللقيط منه.
أما إذا لم يكن اللقيط بحكم المسلم, كان يلتقط من بلد لا مسلم فيها فيجوز ان يلتقطه مسلم أو غير مسلم (4).
3- يشترط في الملتقط ان يكون عدلا فإذا التقطه فاسق انتزعه الحاكم من يده, وتعليل ذلك بان حظانة اللقيط استئمان ولا أمانة, لفاسق, والسفيه في حكم الفاسق(5)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المبسوط للسرخسي ج1- ص209 – أشار له عبد الكريم زيدان – نفس المصدر – ص3
(2) المصدر السابق – ص4
(3) زكريا البرى – نفس المصدر – ص 200
(4) محمد جواد مغنية فقه الإمام جعفر الصادق – دار العلم للملايين – ج3, 4 بيروت – ص 310, ص 311
(5) المغني ج5 – ص 687, الرملي ج5-ص44- أشار اليه عبد الكريم زيدان – المصدر نفسه ص5
وتجدر الإشارة إلى انه مثلما قد لا تتوافر فرصة الحياة للقيط بالالتقاط فقد يتزاحم على التقاطه أكثر من شخص مما يكون حكمه فيما يأتي:
1- إذا تزاحم اثنان على اخذ اللقيط, وهما أهل للالتقاط فيرجع الأمر إلى القاضي, فيسلمه إلى من يراه أصلح للقيط.
2- وان سبق احدهما الآخر في التقاط, ثبت الحق له عملا بحديث الرسول(ص) (من سبق إلى مالا يسبق إليه فهو أحق به )(1).
3- وترجح المرأة على الرجل الا إذا كانت مرضعة وذلك في حالة ان يكون اللقيط رضيعا اما ما خلا ذلك فيتساوى الرجل والمرأة. ويلاحظ بان السبب في عدم رجحان المرأة على الرجل – بالرغم من أنها ترجح في حضانة ابنها على أبيه – هو أنها أجنبية عن اللقيط والرجل يحضنه بأجنبيه. على إن المرأة غير المتزوجة ترجح على المتزوجة في حضانة اللقيط واحسب ان ذلك بسبب تفرغها لرعاية الطفل وتربيته.
4- إذا تساوى المتزاحمان في جميع الصفات واسقط احدهما حقه في حضانة اللقيط للأخر جاز ذلك.وإذا تزاحم اثنان حول التقاط طفل ومع التساوي في الشروط والمصلحة قال الجعفرية يقرع بينهما عملا بقوله تعالى ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) (2) وإلقاء الأقلام هو القرعة (3).وقال الحنفية الراي للقاضي. وان طلب المتزاحمان ان يكون اللقيط عند كل واحد منهما مدة معينة لم يجب القاضي طلبهما لضرره بمصلحة اللقيط لاختلاف المسكن عليه والألفة والطعام والأنس (4) .
5- لو ادعاه شخصان قال احدهما انه ابنه من هذه الحرة. وقال الآخر انه ابنه من هذه الأمة, عندما يفضل الأول على الثاني (5).
6- ولو وجده مسلم وغير مسلم فتنازعا قضي به للمسلم لأنه انفع للقيط وكذلك اعز الله الإسلام وان درجات الأفضلية في إعطاء اللقيط, هي المسلم على الذمي والحر على العبد والذمي الحر على العبد المسلم (6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق – ص6
(2) سورة آل عمران – الآية 44
(3) محمد جواد مغنية – نفس المصدر – ص 311
(4) عبد الكريم زيدان – نفس المصدر – ص7
(5) حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين – نفس المصدر – ص 273
(7) المصدر السابق – ص271
وتجدر الإشارة إلى انه يفترض باللقيط عند التقاطه انه حر ولا يصح التقاطه عبدا استنادا للقاعدة الشرعية القائلة بان الأصل في الإنسان الحرية وطالما كان اللقيط مجهول النسب فيفترض انه حر.كما ويحرم طرح اللقيط بعد التقاطه لأنه وجب على من التقطه حفظه (1).
وارى إن ما يفسر درجات الأفضلية المشار إليها في أعطاء اللقيط عند التزاحم عليه هو مصلحة اللقيط نفسه بالدرجة الأولى في ضوء ما تقرره أحكام الشريعة الإسلامية, وذلك بان يؤول اللقيط إلى من يمنحه الحرية لا إلى من يفرض عليه العبودية.فكان تفضيل المسلم الحر على الذمي الحر وتفضيل الحر على المسلم العبد يؤكد البعد الإنساني العميق لهذه القواعد, وبالخصوص في أعطاء اللقيط للذمي بالرغم من ان المزاحم الآخر مسلم ما دام الأول منحه الحرية.
وإذا وجد مع اللقيط مال كما يحدث في بعض الأحيان, فانه يكون مملوكا له, لثبوت أهليته الوجوب لديه, وحينئذ تكون نفقته من ماله, لان نفقة الإنسان تكون في ماله ويتولى الإنفاق عليه من هذا المال ملتقطه.اما إذا لم يكن له مال فان نفقته تكون من بيت المال .قدر له من بيت المال أجرة رضاعة وحضانة وطعام وكسوة.فإذا تبرع شخص بالأنفاق عليه سقط وجوب نفقته من بيت المال.ومثلما جعلت الشريعة لمن التقطه ولاية حفظه وتربيته وتعليمه حرفة أو مهنة تنفعه وتفيد المجتمع فقد أجازت له ان يتصرف في ماله بالبيع والشراء والإيجار على الوجه الذي يحقق مصلحة اللقيط بوصفه صغيرا وفق القواعد الشرعية (2).
وأخيرا فقد يدعي نسب اللقيط شخص, وحينئذ يثبت نسب اللقيط لمن ادعاه بالبينة عند المالكي.
أما الأحناف فان الادعاء بالنسب يكفي لثبوته إلا إذا تزاحم أكثر من شخص على ذلك فلا بد من بينة عندئذ. أما الشافعية والحنابلة فذهبوا إلى انه إذا ادعى اثنان نسب اللقيط فيرجع إلى القائف الذي له تحديد نسبه بطريق الشبه(3). أما الجعفرية فان نسب اللقيط يثبت لديهم إلى من ادعاه بمجرد الادعاء ولو لم يكن مسلما.
وترجع ما ذهب إليه الأحناف والجعفرية لاتفاقه ومنفعة اللقيط وكونه يساهم في تسيير أثبات نسب اللقيط وتحقيق مصلحته بضمه لعائلة ترعاه وتسهر عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق – ص 269
(2) محمد الحسيني حنفي – الأحوال الشخصية – حقوق الأولاد والأقارب – دار الفكر العربي – 1965-ص143
(3) انظر حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية – مجلة العدالة – نفس المصدر – ص 328